Sunday, April 2, 2023

الرياض التي في خاطري (5)

 



الرياض التي في خاطري (5)


بعد ظهيرة يومِ قائظ شديد الحرارة كنّا الثلاثة نقتعد الأرض حول صحن (تبسي) كُبّ فيه أرز أحمر. توّج الأرز بدجاجة مشوية حد الاحتراق وأمام كل واحدِ منّا بصل وعبوّة لبن(سنابل) ربع لتر.
لا تخلو وجبة الغداء من الأحاديث والطرائف وكان صاحبنا الساخر (ع) صاحب المقالب يتصدر جلسة الثرثرة في تلك الظهيرة فقال:
" والدتي الله يحفظها أول مرّة تركب طائرة في حياتها وكانت قادمة للرياض من الديرة لمراجعة مستشفى الشميسي لعلّة أصابت عينها وحين همّت بدخول الطائرة خلعت نعليها (شبشب) على سلّم الطائرة وحين وصلت لمطار الرياض لم تجد الشبشب ذا العراوي الزرقاء على السلّم فظنّت أن الحذاء قد سُرِق".
بعد امتلاء البطون كان دوري ذلك اليوم في رفع السفرة و غسل الصحن ثم تنظيف المطبخ. نظام عزبتنا تداول التنظيف وفي حال كان أحدنا لدية مناوبة (خفارة) في العمل يتولى المهمة الذي بعده في الجدول على أن يعوّض صاحب الدور في اليوم التالي.
غرق الجميع بعدها في قيلولة معتادة تطول أحيانا الى وقت المغرب بفعل الصوت الرتيب لمروحة الهواء المعلّقة في سقف المجلس المتطامن.
أفقت على طرق زاد من حدّته حديد الباب الصاجيّ غير المدهون. لا يوجد جرس في منزلنا الشعبي اذ كان ذلك الاختراع من مكونات رفاهية الفلل في الأحياء اللامعة القصيّة عن حيّنا الشعبي الواقع في قاع المدينة.
تقلّب الثنائي المرح وأدارا ظهريهما تجاه مساند المجلس حائلة اللون وكأنهما يؤكدان عدم استعدادهما لمعرفة من الطارق وبالتأكيد عدم النهوض لفتح الباب. قمت متثاقلا واذا بي أمام صاحب المكتب العقاري الذي استأجرنا المنزل عن طريقه.
- اهلا أبو صالح يا مرحبا...تفضّل، تفضّل
لم ينتظر الرجل طويلا فقد أتي فيما يبدو ليدخل دون دعوة. دلف مباشرة الى حيث المجلس فهو الخبير بتفاصيل المنزل. توقف لبرهة عند المدخل وسعل بصوت مرتفع كي يُنبّه النائمان بفوضوية توحي بمنظر ضحايا قصف بأسلحة كيماوية.
سمع الثنائي صوت سعال شخص غريب فلملما سيقانهما الشهباء المكشوفة وجلسا متربعان دون أن ينهضا للترحيب بمقدم العقاري الذي عقد ما بين حاجبيه وكزّ على اسنانه لتبرز كرتان في مؤخرة حنكيهِ دلالة الغضب والتبرّم.
يتبع

No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *