Showing posts with label مقالات اجتماعية. Show all posts
Showing posts with label مقالات اجتماعية. Show all posts

Tuesday, October 24, 2023

استخبارات المستهلكين

 


                                          استخبارات المستهلكين
                                      


استخبارات المستهلكين - عبدالله إبراهيم الكعيد (al-jazirah.com) 

Friday, September 8, 2023

اسطورة الكفرات المهترئة

 


                                      أسطورة "الكفرات" المهترئة

تشرح القواميس معنى مفردة الأسطورة وتُجمع على أنها (الخرافة) بينما خفف ذلك المعنى قاموس اللغة العربية المعاصر بالقول إنها جمع أَساطير أي تلك الحكايات العجيبة التي تروِي أَحْداثاً تارِيخِيَّةً كَما تَتَخَيَّلُها الذَّاكِرَةُ الشَّعْبِيَّةُ أو كَما يَرَاها الخَيَالُ الشَّعْبِيُّ.

أُصدقكم القول بأنني لا أميل للمعنى الأول فلو تحقق معنى الأسطورة بأنها خرافة لكفّ عن ترديدها عشاق كرة القدم حينما يضفون تلك المفردة على لاعب كرة قدم وفي الغالب يكون ابن ناديهم الأثير. لو عرفوا بأن الأسطورة تعنى الخرافة وأن لاعبهم (أيّا كان) من أساطير الأولين أي خرافاتهم لدخلوا في الذرى.

دعونا إذا نعوّل على معنى الحكايات العجيبة التي تتناقلها الأجيال كما رآها المخيال الشعبي ولا يجرؤ أحد الرواة (الثقاة) على الإشارة الى المصدر أو مدى دقّة أسطرتها فأذكر حكايتان أحداهما قديمة لا يذكرها الا أحد جيل الطيبين (تخفيفا لفاجعة أرذل العمر) أما الأخرى فهي حديثة لم تُؤسطر بعد.

سأبدأ بالحديثة التي تنتظر دورها (للتسطير) في السجلّات. وعد قطعه أمام العالم رئيس دوله عظمى اثناء حملته الانتخابية بأن يجعل بلادنا المملكة العربية السعودية دولة منبوذة وقادتها في (خبر كان).

لم يمضِ على وعده المتهافت اشهرا معدودات حتى أدلهمّت المصائب عليه تترا. وجد نفسه على قائمة الانتظار في جدول لقاءات زعيم شاب أدار رؤوس العالم نحو بلاده اسمه (محمد بن سلمان).

أما أسطورة جيل (سنرمي إسرائيل في البحر) فهي تحكي عن سيارة سقطت في أحد العيون المائية بمدينة الخرج (الخرج تبعد70 كيلو متر جنوب الرياض) ووجد أهل الأحساء (شرق السعودية) كفراتها تعوم عندهم في عين نجم!!

المدهش في عموم الأساطير صمودها رغم قوة ذاكرة الشيخ (قوقل) وهذا ما يستدعي طرح سؤال: ما الذي سيتداوله يا تُرى أحفاد أحفادنا من أساطير. أظن بأنها ستتمحور حول أكاذيب وادعاءات الذكاء الاصطناعي.

Friday, August 25, 2023

دموع الحزين الخادعة

 

 

                     دموع الحزين الخادعة 

صحيح أنه عجوز وأن حُزنه مُقيم الاّ انه بالرغم من ذلك لا تنقصه الحيلة ولا المكر وكما قيل أن الحاجة أم الاختراع إلا أنها في حكايته هنا قد تكون أم الدواهي. قرأتُ الحكاية في الف ليلة وليلة بنسختها (الهنديّة) عن الطائر العجوز (مالك الحزين) الذي كان يعيش الى جوار بحيرة طوال عمره وحين وصل الى خريف عمره لم يعد يستطيع اصطياد الأسماك كما كان يفعل في السابق.

بدأت الحكاية أو الحيلة التي حبكها باقتدار حين توقّف في مكانٍ قرب ضفاف البحيرة ورفع منقاره تجاه السماء وأخذ ينوح فاقتربت الاسماك الفضولية وسألته لماذا تبكي؟

أجاب المكّار: يا للمصيبة الفادحة التي تُدبّر لكنّ. لقد رأيتُ هذا الصباح على مقربة من البحيرة صيادين قالوا بأنهم سوف يأتون بشبِاك هائل ويصطادون كُلّ الأسماك لهذا أنوح على المصير المُرعب الذي ينتظركن.

خافت الأسماك الى أقصى حدّ وتساءلن ما العمل فقالتْ إحداهن: ينبغي على مالك الحزين أن يُساعدنا فهو الخبير بشؤون الصيادين. اقتربت أكبرهن وقالت له: إن مصيبتنا سوف تكون ايضاً مُصيبة لك فإذا أمسك الصيادون بنا فلن يبق لك شيئاً من الأسماك كي تأكلها لذلك نقترح عليك أن تأخذنا واحدةً تلو الأخرى في منقارك وتحملنا في السماء نحو مُستنقع آخر لا يُهددنا فيه خطر كهذا. وهناك نستطيع العيش بسلام وأنت تحصل على ما تصطاده.

 تلك (صفقة) جيّدة لنا ولك. بالطبع وافق مالك الحزين على مضض (تمثيلاً) وأمسك من فوره بالأسماك الواحدة بعد الأخرى وطار الى أبعد قليلاً من البحيرة وهناك أكلهن مرتاحاً.

 (أبو مقص) سرطان عجوز أيضا تثق فيه الأسماك وصديق لها في نفس الوقت لاحظ حيلة مالك الحزين الغادره وقال لنفسه إن عليه وقف المجزرة فوراً.

اقترب من الماء وتوسّل الى مالك الحزين المُحتال مصطنعاً خوفاً مرعباً قائلاً: يا صديقي العزيز أنا أيضاً ينبغي أن تُنقذني فلمن تتركوني هنا وحيداً؟

فكرّ مالك الحزين سيّما وقد تقزز من كلّ تلك الاسماك التي إلتهمها ويودّ فعلاً التغيير ويتذوّق لحم مختلف فأمسك بالسرطان في منقاره وحاول الطيران، لكن السرطان شدّ قارصتيه حول عُنق مالك الحزين وأقتلع رأسه وهكذا انتقم للإسماك من جزّارها.

بالفعل يوجد في الحياة أكثر من مالك الحزين، وأكثر من محتال وبالمقابل هنالك سُذّج يقدمون أنفسهم طوعاً ضحايا للجلاّد ليكونوا (لحمة كتف) جاهزة للالتهام.

 الغريب في الأمر أن الضحايا تتوالى فلا الناس اعتبرت ولا الجلاّد توقف ولم نرَ وقتها من يقدّم نفسه بصفة (المُنقذ) كصاحبنا السرطان الذي لم يستطع تحمّل مشهد المجزرة وسذاجة الضحايا فتطوّع لمواجهة المُحتال ليقتصّ منه. 


Wednesday, July 5, 2023

الأوبة للنقاء

 

                                         الأوبة للنقاء

الإعلام القديم (إن جاز التعبير) أو التقليدي كما يحلو للبعض تسميته وبعض منتجاته مثل المسلسلات التلفزيونية أو الأفلام السينمائية قد (روّجت) منذ زمن طويل لطرق تحسين المزاج حين يدخّن بطل الحكاية (الجوزة) المحشوة بالحشيش أو يصوّر المحشش بخفيف الدم والفهلوي ومُنتج النكت؟

إن الإعلام الرقمي منصات اتصالية متعددة مثلها مثل أيّ مُنتَج بشري. يمكن استخدامها في الخير أو الشر. البناء أو الدمار. لكن حين نُحدد تلك الوسائل (أي منصات السوشيال ميديا) بأنها أحد أسباب (وقوع) أفراد اي مجتمع في المخدرات فهذا أظنه كلام مبالغ فيه.

أنا بهذا الطرح لا أدافع عن تلك المنصات لكنني لست مع الفكرة بشكل مُطلق. شبكة الانترنت قد تكون ساهمت فيما مضى لترويج أفكاراً غير سويّة وتم استخدامها لاستمالة اليافعين للمنظمات الإرهابية أو استُخدمت كوسيلة لنشر الإشاعات والأكاذيب. أو حتى بث الفرقة والفتنة والانقسام في المجتمعات. لكنها ليست لوحدها دافعاً للوقوع في مستنقع المخدرات القذر. فالشخص الهش ضعيف التحصين الذي يعيش ضياعاً سيكون عرضة للوقوع في وحل المخدرات وغيرها من المنزلقات المُدمّرة.

لنفترض أن قام مروّج مخدرات باستخدام منصات التواصل الاجتماعي علناً كوسيلة للترويج فهو بهذا قد وقع بالمصيدة. عين المؤسسات الأمنية يقظة في كل بلد ترصد ما ينشر أو يُبث على الشبكة العنكبوتية. في المقابل لو خرج مُدمن بشخصهِ على احدى المنصات التواصلية وقد أتضحت عليه علائم الإدمان أو التعاطي أيضا سوف ترصده وتتابعه تلك العيون اليقظة.

فكيف بغبيّ يسمح بإرادته الافتضاح ثم الوقوع في دائرة المساءلة؟

للمتعاطي حتى ولو كانت تجربه أولى أقول إحذر فقد تصل سريعاً لمرحلة الإدمان. وللمدمن أنصح بأن الوقت متاح لك أن تُقلع بمساعدة أُناس يخافون عليك فلا تخف منهم.

للجميع: لن يكون هناك ملاذ آمن للمخدرات في بلادنا فقد تم إعلان الحرب على تلك الآفة.


Friday, April 28, 2023

الرياض التي في خاطري(6)

 


                         الرياض التي في خاطري(6) 

جلس العقاري أبا سليمان في صدر المجلس وتقاسيم وجهه تشي بالغضب بينما صاحباي مستندان على المركى الآخر وقد تقاربا برأسيهما إيذانا ببدء وشوشات الحش والتعليقات المشفّرة. 

ران صمت ثقيل لبضع ثوانٍ لا يُسمع فيها غير تقلّب صفحات جريدة الرياض بفعل حفيف تيار هواء مروحة السقف.

سلّك العقاري حنجرته إيذانا بافتتاح حفلة الكلام قائلاً:

-      أذكر أنك يا ملازم عبدالله حضرت لوحدك لدكّاني اثناء بحثك عن منزل للأجار ولم تخبرني بأن معك من يقاسمك السكن مشيرا برأسه الى الثنائي الذي تخشّب!

-      صحيح طال عمرك، لكن هذولا زملائي وضباط مثلي، ولا أذكر أن في عقد الايجار ما يوحي بالممانعة في مقاسمتي أحد هذه العزبة. قلت هذا الكلام بوقار شديد متصنعاً الجدّية وأنا أخطف نظرة تجاه الثنائي وهما يتلاكزان بالمرافق بفرح ساذج احتفاء بتورطي مع الرجل.

-      نعم لا يوجد في العقد بند يمنعك من استضافة أحد لكني وقتها كنت أظنّك متأهل يعني (متزوج) والعرف عندنا وأنت تعرف هذا جيدا يمنع سكن مجموعة عزّاب بين بيوت عوائل.

رد العقاري وهو يرسم دائرة في الهواء بأصبعه تجاه الثنائي الصامت كبعيرين يحتميان ببعضهما في ظهيرة مطيرة وتعلو على محياهما تقاسيم بلهاء وكأنهما يٌؤكدان عدم علاقتهما بالموضوع.

ترددت قليلاً أفكّر في رد مُقنع يخفف توتر أبا سليمان ثم لمعت الفكرة بفعل الحس الأمني فقلت من فوري:

-      فيما لو تعرّضت العوائل لما يُعكّر صفو أمنهم لمن سيلجؤون جينها يا طويل العمر؟ أليس للشرطة كي تحميهم؟

-      صحيح قال..

ق قلت: ها نحن 

 ا الشرطة الذين سيتلقون شكاوى أولئك العوائل وغير العوائل. كنت أظنكم ستفرحون بأن رجال الأمن يقطنون بينكم.

أردفت قائلاً:

- فرصة لأهل الحي، فهم لن يتكبدوا عناء الذهاب الى قسم البطحاء كي يبلّغوا عن الحرامية أو المشبوهين. نحن هنا بينهم وعندنا استعداد تام لتلقي بلاغاتهم في كل الأوقات. الا يكفي هذا كي يطمئنوا؟

أطرق أبا سليمان برأسه قبل أن يمسك بزمام الحديث مرة أخرى وكأنه يحاول إعادة الكرة الى مرماي قائلا:

-      أنا معك يا أخ عبدالله لكن من يقنع الجيران خاصة وأنهم اشتكوا من ازعاج يصدر من سطح بيتكم كل ليلة؟

-      إزعاج؟ رددت باستغراب مصطنع وكأني أجهل الحكاية!

-      نعم، يقولون بأنهم يسمعون ضحكات هستيرية انصاف الليالي وعند الفجر تزعجهم أجراس عالية وكأنهم جيران مدرسة تقرع أجراسها بداية ونهاية كل حصة.

لمحت الثنائي بطرف عيني اليمنى حيث يتّكئان وقد احتقنت وجنتاهما بفعل كتمان ضحكة بلعاها ويكادان ينفجران كبالونان مُلئا بالماء. أشرت باصبعي الى (ي) قائلاً:

-      هذا يا طويل العمر ضابط من حرس الملك فيصل ويضطر الى الاستيقاظ فجرا كل يوم للـتدريب وذاك صوت جرس الساعة (الخراشة) قد وضعها داخل سطل معدني حرصاً منه على الاستيقاظ.

حينما سمع أبا سليمان اسم الملك فيصل اعتدل في جلسته وأظهر الاحترام المبالغ فيه للزميل الذي انتفخ تباهيا كي يُؤكد أهميته.

رفيقنا الثالث لم يدع صاحبه يأكل (الجو) عنه فلا بد من اثبات الوجود فقال:

-      معك الملازم (ع) أعمل في إدارة مكافحة المخدرات وأسعى بكل جهدي لحماية ابناءكم من هذه السموم وأبشرك ترى الأمور تحت السيطرة والوضع تمام.

قررت سريعا ألاّ أترك الفرصة للعقاري كي يستجمع أفكاره ويعزز موقفه من شكوى الجيران فقلت:

-      ما ضيفناك أبا سليمان. أقوم أسوي لك قهوة والا شاي؟

-      لا لا تكلّف على نفسك لو سمحت. أكرمكم الله، عندي شغل في الدكان أستأذنكم. هبّ واقفا فوقفت بدوري بينما الثنائي لم يتحركا من متكأهما.

رافقت الرجل مشيعاً وبعد سماع صوت ارتطام دفتي باب الحديد صدرت قهقهة عالية صدرتْ من المجلس بينما العرق يسيل على وجهي من الحرج.

(يتبع)


Sunday, April 2, 2023

الرياض التي في خاطري (5)

 



الرياض التي في خاطري (5)


بعد ظهيرة يومِ قائظ شديد الحرارة كنّا الثلاثة نقتعد الأرض حول صحن (تبسي) كُبّ فيه أرز أحمر. توّج الأرز بدجاجة مشوية حد الاحتراق وأمام كل واحدِ منّا بصل وعبوّة لبن(سنابل) ربع لتر.
لا تخلو وجبة الغداء من الأحاديث والطرائف وكان صاحبنا الساخر (ع) صاحب المقالب يتصدر جلسة الثرثرة في تلك الظهيرة فقال:
" والدتي الله يحفظها أول مرّة تركب طائرة في حياتها وكانت قادمة للرياض من الديرة لمراجعة مستشفى الشميسي لعلّة أصابت عينها وحين همّت بدخول الطائرة خلعت نعليها (شبشب) على سلّم الطائرة وحين وصلت لمطار الرياض لم تجد الشبشب ذا العراوي الزرقاء على السلّم فظنّت أن الحذاء قد سُرِق".
بعد امتلاء البطون كان دوري ذلك اليوم في رفع السفرة و غسل الصحن ثم تنظيف المطبخ. نظام عزبتنا تداول التنظيف وفي حال كان أحدنا لدية مناوبة (خفارة) في العمل يتولى المهمة الذي بعده في الجدول على أن يعوّض صاحب الدور في اليوم التالي.
غرق الجميع بعدها في قيلولة معتادة تطول أحيانا الى وقت المغرب بفعل الصوت الرتيب لمروحة الهواء المعلّقة في سقف المجلس المتطامن.
أفقت على طرق زاد من حدّته حديد الباب الصاجيّ غير المدهون. لا يوجد جرس في منزلنا الشعبي اذ كان ذلك الاختراع من مكونات رفاهية الفلل في الأحياء اللامعة القصيّة عن حيّنا الشعبي الواقع في قاع المدينة.
تقلّب الثنائي المرح وأدارا ظهريهما تجاه مساند المجلس حائلة اللون وكأنهما يؤكدان عدم استعدادهما لمعرفة من الطارق وبالتأكيد عدم النهوض لفتح الباب. قمت متثاقلا واذا بي أمام صاحب المكتب العقاري الذي استأجرنا المنزل عن طريقه.
- اهلا أبو صالح يا مرحبا...تفضّل، تفضّل
لم ينتظر الرجل طويلا فقد أتي فيما يبدو ليدخل دون دعوة. دلف مباشرة الى حيث المجلس فهو الخبير بتفاصيل المنزل. توقف لبرهة عند المدخل وسعل بصوت مرتفع كي يُنبّه النائمان بفوضوية توحي بمنظر ضحايا قصف بأسلحة كيماوية.
سمع الثنائي صوت سعال شخص غريب فلملما سيقانهما الشهباء المكشوفة وجلسا متربعان دون أن ينهضا للترحيب بمقدم العقاري الذي عقد ما بين حاجبيه وكزّ على اسنانه لتبرز كرتان في مؤخرة حنكيهِ دلالة الغضب والتبرّم.
يتبع

Friday, March 3, 2023

الرياض التي في خاطري (4)








                     الرياض التي في خاطري (4)

أثناء ترددي على محطة تلفزيون الرياض في أواخر عام 1975 من أجل تسجيل حلقات برنامج (العيون الساهرة) التقيت بالممثل سعد خضر سعدون الشهير بــ(فرج الله) لدور قام به في سهرة تلفزيونية بالأبيض والأسود في بدايات بث التلفزيون السعودي. يراني سعد ببدلتي الرسمية الأنيقة وأراه نجما كوميديا شهيرا. في يومٍ هاتفني سعد يطلب استعارة بدلتي العسكرية لغرض الباسها للمثل علي إبراهيم الذي يقوم بدور ضابط أمن في عمل درامي بعنوان (بنتي) إن لم تخني الذاكرة.
لم أتردد في تلبية طلب الممثل سعد خضر (الصديق لاحقاً) فوصفت له عنوان بيتنا في حي الجرّادية. وصل سعد في وقت لم أك موجودا في المنزل الشعبي إياه. استقبله رفيقي في السكن وهو أحد الثلاثي ضابط جيش عسكريّ لا علاقة له بالاعلام أو الفن. فوجيء ذلك الرفيق حين فتح الباب أن النجم الشهير أمامه وجها لوجه بل ويطرق باب منزلنا يعني أنه ضيف ولا كل الضيوف. لم يك يعرف حينها باتفاقي مع خضر سعدون عن البدلة.
حدثني لا حقا عما دار بينهما بالقول أنني قلت له " شكلك غلطان بالعنوان يا فرج الله" رد سعد قائلاً " مهو هذا بيت عبدالله الكعيد"؟ قلت له " نعم عبدالله خوينا في السكن حياك الله تفضّل".
فوجئت بتجمهر صبيان حارتنا أمام باب بيتنا وأُصبت للوهلة الأولى بالخوف من أن يكون هناك مستجدات لشكوى الجيران التي تقدموا بها للعمدة حول سكن ثلاثة عُزّاب بين عوائل محافظة لا تقبل مجاورة غير المتأهلين.
(للحكاية بقيّة)

Friday, February 3, 2023

الرياض التي في خاطري (3)

 


                          



                       الرياض التي في خاطري (3)


لم يك في بيتنا الشعبي إياه مبرِّدات للهواء (مكيفات) بل مراوح معلّقة في السقف. إحداها في المجلس الرئيس الذي نستقبل فيه الضيوف وهو مكان تجمعنا الدائم لمشاهدة التلفزيون بقناته الوحيدة التي تبثّ بالأبيض والأسود اذ لم تكن ألوان بال، سيكام وأخواتها قد اُستخدمت بعد. في ذات المجلس كنّا نقتعد الأرض الخشنة ببساطها حائل اللون لتناول طعام الإفطار أما الغداء فكنا نتحلّق حول صحن واحد. وجبة العشاء ليست بذات الأهميّة فكل منّا يُدبّر حاله وغالبا خارج المنزل.
المروحتان الأخريان إحداهما في غرفتي والأخرى في غرفتهما. كُنت قد إتّخذتُ غرفة ضيقة بالكاد تتسع لسرير حديدي مفرد وخزانة ملابس بلاستيكية لها سحاب في وسطها وتلك لها حكاية اذ كنت الوحيد بينهم الذي يُرتّب ملابسه في خزانة أما الآخران فاختارا غرفة بلا نوافذ أقرب ما تكون سردابا مظلما لولا نور مصباح خافت بفعل تراكم الغبار ومخلفات الذباب التي تعلو زجاجته فأصبح مثل ظهر كفّ شاحب عليه نقوش حنّاء مُنمنمة.
ولعدم وجود مكيفات كنّا ننام في سطح المنزل طوال ليالي شهور صيف الرياض الطويلة. رفيقاي مرحان جدا عكسي تماما لهذا يحلو لهما صناعة المقالب وقد حدثت لهما مآزق وورطات لا تُنسى بسبب مقالبهما على بعض أو على الزوار والضيوف من الأصدقاء الخُلّص.
في ليالي الصيف تلك وقبل أن نخلد جميعاً للنوم يقومان بإلقاء فراشيهما بالقرب من الجدار الفاصل بيننا وبين سطح الجيران الذين ينامون أيضا في السطوح، أما أنا فمكان فراشي بالقرب من الدَرَجْ (السلّم) كنت أحاول قدر إمكاني الابتعاد عن مكانهما لأنهما يثرثران قبل النوم إما همساً كتراسلٍ برقيّ أو بصوت مرتفع ثم ينفجران بالضحك ويقهقهان لدرجة أن أشتكي الجيران في يوم من إزعاجهما وسألوا عن مصدر الجرس المزعج الذي يستمر في رنينهِ المتكرر عدة دقائق فجر كل يوم؟
أحد رفاقي كان ضابط تدريب للعسكر في الطابور الصباحي الذي يبدأ قبل بزوغ الشمس لهذا يتحتم عليه أن يستيقظ مبكرا ليتمكن من الحضور في الوقت المحدد وقبل أن يأذن الآمر بــــ(عادةً تن تن تن تن سِر) ، ولأن حضرة جنابه يسامر رفيقه في الثرثرة يصعب عليه الاستيقاظ بسهولة فأقتنى ساعة مُنبهة (خرّاشة) ذات جرس مزعج جدا. حين فشل صوت جرس الساعة الخرّاشة في ايقاظه بعض الفجريات ابتكر طريقة تجعل الصوت أكثر ازعاجاً. أصبح صاحبنا يضع الخرّاشة في سطلٍ معدنيّ ليرتفع صوت المُنبّه وكأنه صافرة انذار للدفاع المدني بقرب وقوع الخطر.
وقعنا في مشكلة تقدّم الجيران بشكوى لعمدة الحيّ على مالك المنزل الذي سمح لمجموعة عزّاب السكن وسط عوائل محافظة.
(للحكاية بقية)


Sunday, January 29, 2023

الرياض التي في خاطري (2)

 



                         الرياض التي في خاطري (2)


أصبح بيتنا الشعبي الصغير في حي الجرّادية ملفى للأقارب والأصدقاء والمعارف وخصوصا الأقرب إلى كل منّا من الرفاق أهل الخرج .كنت أقل الثلاثي المرح من الزوار لا أدري لماذا. في كل جمعة كنّا الثلاثة نشدّ رحالنا للخرج تلك المدينة الوادعة جنوب العاصمة والتي وفدنا منها وهو يوم الإجازة الوحيد آنذاك.
أنا من حي العزيزية والآخر من حي البقشه سأرمز لإسمه بـــ(ي) والثالث(ع) من فرزان. وفرزان موقع شهير في مدخل الخرج أُشتُهر بوجود مركز أمني للمراقبة الأمنية عن الداخل و الخارج في سيارات الأجرة.
أذكر أن أصحاب سيارات الأجرة من موقف تكاسي الرياض لا بد أن يُقدّموا قائمة (كوشان) بأسماء الركاب الذين يُقلّونهم للعسكري الذي لن يرفع ماسورة الحاجز الأمني لمواصلة السير الا بعد أن يستلم تلك الورقة الممهورة من شيخ الدلاّلين في موقف التكاسي بمدينة الخرج وبعد أن يتلو أسماء الركاب فيُجيب كل من يسمع أسمه بـــ(حاضر) لم يكن هناك ما يسمى بالهوية الوطنية فالتعريف الأهم لمن بلغ سن الثامنة عشر وما فوقها دفتر يُطلق عليه التابعية.
كُنّا ببدلات الخروج كما تٌسمى وهي أزياء عسكرية ملفتة للنظر وكانت مختلفة من كلية لأخرى . أنا طالب عسكريّ في كلية قوى الأمن الداخلي أركب وزملائي في كليّتنا وغيرهم من الكُليات العسكرية الأخرى مع سائق معين نعرفه جميعا قد أُشتُهِر بالسرعة والتهور في سياقته. أذكر بأنه كان يضع علبة السجائر (بكت الدخان) كرافن إي (أبو بس) على طبلون السيارة حتى يُخفي عنّا سرعة السيارة. كان يلف شماغه كما يفعل الدرباوية اليوم.
نصل للرياض أواخر عصر يوم الجمعة الى شارع البطحاء الشهير ومنها كل يذهب الى وجهته إما بالباص الصغير وهو الغالب كانت أُجرته ربع ريال.
تقع كُليّة قوى الأمن الداخلي في شارع عمر بن الخطّاب بجوار معهد التدريب المهني بقبّتة الزهرية الشهيرة ويفصلها عن محطّة كهرباء الرياض بهدير توربيناتها المزعجة مُجرّد شارع وهو الأمر الذي يدفع لسرد حكايات أُخرى.

Thursday, January 19, 2023

الرياض التي في خاطري 1






                                           

                      الرياض التي في خاطري

                              (1)

أحنّ لرياض السبعينيات الميلادية، أحن لشوارعها وناسها وامسياتها ولهوها. كُنا ثلاثة شباب حُدثاء التخرّج. ضابط في الأمن العام وآخر بإدارة مكافحة المخدرات وثالث في الحرس الملكي في عهد الشهيد الملك فيصل.
إستأجرنا بيتاً طينيّاً في زقاق (سدّ) متفرّع من شارع الفريان قرب ميدان دخنة مكوّن من ثلاث غرف وسطح ننام فيه أيام صيف نجد اللاهبة وبعد أن كابدنا عناء انقطاع الماء قررنا النزوح الى حي أكثر رفاهية.
لم يكن وقتها حيّا يقبل بأصحاب القدرات الماليّة المتواضعة أمثالنا كحي الجرّادية الشعبي القابع في الضفاف الجنوبية لشارع عسير المتلويّ. استأجرنا في طرف ذلك الحي منزلاّ شعبيا عشنا فيه أزهى أيامنا وأجملها بل وأكثرها أحداثا عصيبة مثل حادثة اغتيال الملك فيصل رحمه الله.
في تلك الفترة كنت أُقدّم برنامجاً توعوياً أمنياً في القناة الوحيدة للتلفزيون السعودي عام 1975م وكان صغار حارتنا يزفّونني من لحظة خروجي من المنزل حتى آخر الشارع.
لم يك لدى الثلاثي المرح غير سيارة واحدة يقودها أكثرنا خبرة في القيادة فيقوم بايصالنا كل الى مقرّ عمله.
انما الذي لا يمكنني نسيانه حادثة ركوبنا الثلاثة مع امتعتنا المتواضعة أثناء الرحيل من حينا القديم في دخنة الى الجرّادية في عربة كارو (نسميها محليّا قاري) تلك التي يجرها حمار نشيط كالحصان. كان الكارو وسيلة النقل الشعبية المُتاحة للجميع في ذاك الزمن.
رغم الحياة المتواضعة التي عشناها آنذاك بكل صعوباتها الا أنني أحن بالفعل لتلك الفترة.
(يتبع)

Monday, January 9, 2023

انتقام الضفادع


 



                              انتقام الضفادع

لقد نزل أفراد الجيش الوطني ياسيدي الى شوارع المدينة، لكن عرباتهم المدرّعة تزحلقت واصطدمت بالأرصفة وأعمدة الانارة، والجنود لا يقدرون على المشي بشكل معتاد ثُم...

فجأة انقطع بث برامج التلفزيون المُعتادة وخرج على الشاشة مذيع نشرة الأخبار في (خبر عاجل) وهو مُرتبكا: 

المذيع: أيها المواطنون الكرام، تأسف الحكومة عن إعلان حالة الطوارئ القصوى في البلاد نتيجة غزو غير متوقع من كائنات لزجة لم ترصدها رادارات الدفاع الجويّ لقدرتها الفائقة على التخفّي والزحف الأرضي غير الواقع في مدى الرصد المعتاد للكاشفات، وتناشد الحكومة كما كبار قادة الجيش الوطني من المواطنين الكرام البقاء في منازلهم حتى يمكن التصدّي لهذا الغزو اللّزج وتطهير تراب الوطن من تلك الكائنات الكريهة.

فقرة من كتابي (انتقام الضفادع) الناشر متون للنشر والتوزيع/القاهرة، الطبعة الأولى 2022>. سيتوفر الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023


Friday, December 23, 2022

نعم بالإمكان انقاذ كوكب الأرض

 


                       


                              نعم بالإمكان انقاذ كوكب الأرض


مخاطر كبيرة تواجه كوكبنا وتهدد الحياة عليه وهذا أمر معروف ومشهود، إنما ما يجهله الكثيرون هو مشاركتهم بقصد أو غير قصد في هذا الدمار وخصوصاً في التعامل مع البيئة والإسراف في مصادر الطاقة والمياه.

هل نعي كأفراد أن بإمكاننا إنقاذ هذا التدهور أو إيقافه جزئياً على الأقل؟ نعم بالإمكان ذلك شريطة المشاركة الجماعية في هذا الجهد. ربما بممارسات يراها البعض غير ذات شأن لكن تأثيرها فعال وهام. في حكاية استنزاف المياه على سبيل المثال ماذا لو تم تقليص عدد الدقائق التي يقضيها الفرد أثناء الاستحمام أليس في ذلك توفير لكمية المياه الموجودة في خزان المنزل أو العمارة أو الفندق وغيرها؟ عند حلاقة الوجه أو تنظيف الأسنان ألا نوفر أيضاً فيما لو أوقفنا تدفق الصنبور أثناء عملية التنظيف ذاتها؟

التوقف عن غسيل أحواش المنازل وإهدار كميات كبيرة من المياه المخصصة للشرب والطبخ.

الكهرباء وما أدراك ما الكهرباء أجزم بأننا من أكثر شعوب العالم استهلاكاً لهذه الطاقة دون مبرر. كم من جهاز كهربائي أو مصباح إضاءة يعمل على مدار الساعة بدون فائدة تذكر اللهم أن أحدهم قد أوصله بالفيش وتركه دون أدنى اهتمام؟

في نشرةٍ وجدتها بدورة مياه أحد الفنادق مكتوب فيها بثلاث لغات النص التالي:

"بما أننا ورثنا الأرض من أسلافنا ونشارك أولادنا الحياة عليها فإننا نسعى للحفاظ على البيئة وتوفير الطاقة وبالتالي تقليل غاز الميثان. أنتم مدعوون لتقديم يد المساعدة في حملتنا هذه من خلال إطفاء الأنوار عند عدم الحاجة إليها وخفض استهلاك المياه متى ما أمكن ذلك. الرجاء تعليق المنشفة بالحمام في حالة الرغبة بتكرار استخدامها ووضع هذه البطاقة على السرير في حالة رغبتك عدم تغيير الأغطية لهذا اليوم".

المسؤولية المباشرة لسلامة البيئة تقع أولاّ على السُلطات المحليّة فيما لو فرضوا نظاماً يقصر التعامل على الشركات والمؤسسات التي تنتهج الحفاظ على البيئة من خلال تطبيق معايير وممارسات تحمي كوكبنا من الإنهيار؟

 


Tuesday, December 6, 2022

مصداقية المحتوى

 



                       مصداقية المحتوي 


شدّني عنوان مقال نُشر في مجلّة "ريدرز دايجست" منذ زمن طويل لا أذكر متى ينص على: "Don't Believe Everything You Hear"  أي لا تُصدق كل شيء تسمعه.

سياق الموضوع لم يكن كما توقعته، بل كانت كاتبة المقال تُفنّد مقولات وحِكم سائدة أثبتت الدراسات ضعفها بل ونسفتها من قواعدها.

بصفتي ككاتب أو هكذا أزعم لو كان لي اختيار إعادة صياغة الموضوع لم أك لأحكي إلاّ عن ما يحدث اليوم في منصّات التواصل الاجتماعي: فيس بوك، سناب شات، التغريدات في تويتر ومساحاته الحواريّة، تيك توك، ثم الوسائل الاتصالية الأخرى: الواتس آب والتليغرام وخلافه لأنها ميادين متاحة لمن يرغب في بث الإشاعات ونشر الأكاذيب وتصفية الحسابات مع الغير وارباك المجتمعات.

احتوى مقال "الريدرز دايجست" آنف الذكر على صورة لشخص محتار بين أُذنه اليمنى لشخصٍ يحقنه بمعلومات متدفقة وبين أُذنه اليسرى لامرأة تحقنه هي الأخرى بكلام أقرب للثرثرة، تخيلت الصورة بعد تلك السنين ورسمت ما بقي في ذهني.

جسناً،

أحسبُ أن أيّ عاقل هو ذاك الذي يُحلل ما يصلهُ من معلومات ليتأكّد من مدى صدقيتها أولاً.

لأن هنالك أمورا لا يمكن تصديقها لحجم الكذبة وهذه يفترض عدم النظر فيها من الأساس.

وهناك معلومات قابلة للتصديق، ولكن قد يكون مصدرها غير نزيه أو غير محايد وهذه من الأفضل أيضا عدم إعادة نشرها.

في حديث جرى مع مجموعة من الزملاء في مناسبة رسمية قال أحدهم إن ما يُنشر أحيانا في منصّات (السوشيال ميديا) من إشاعات وأكاذيب أمر مزعج ويُثير الفتنة وضرب مثلاً في كيفية تناقل المعلومات كمثل معلومة يقولها فرد للشخص الذي بجانبه ويُطلب منه قولها لمن هو بجانبه وهكذا. ستعود المعلومة إلى القائل الأول وقد تراكم فوقها معلومات مضافة قد تُخل بالمعنى والمصداقية. يحدث مثل هذا كثيراً في تلك الوسائل.


Sunday, November 20, 2022

الذئاب تتقن فن إدارة المعارك

 





                   الذئاب  تتقن فن إدارة المعارك


لم أكُ أُعطي الذئبَ كحيوانٍ متوحش حسب أدبياتنا وثقافتنا المحليّة وسلوكَهُ اهتماماً حتى قرأتُ روايةً بعنوان "رمز الذئب" للكاتب الصيني رونغ يانغ.

 روايةٌ ملحميةٌ مُدهشة لم يكتبها المؤلف من فراغٍ إذ إستغلَّ عملهُ أثناء شبابهِ في سهوبِ منغوليا وعاشَ هُناك مع السكّان المحليين إحدى عشر عاماً11 عاما فأنتجَ تلك الرواية العظيمة، أبدى يانغ إنبهاراً بالأساطيرِ التي تتحدث عن ذئابِ سهوبَ منغوليا لدرجةِ أن قام سرّاً بتربيةِ ذئبٌ صغير ليتعرفَ عن قربٍ على سلوكهِ وليفهمَ سرّ تبجيل سكان سهوب منغوليا للذئابِ.

رافقَ المؤلفُ خلال عمله هناك عجوزاً حكيماً من السكّانِ الأصليين يعشقُ الذئابَ ويُجلّها وكان يشرحَ كل ما غمِضَ لهُ عن سلوكِها، كان العجوزُ ضد الحملة التي قامت بها الحكومةُ الصينيةُ لإبادةِ الذئابَ التي كانت تفترسَ الجياد الأصيلة عصبُ الحروب وآلتها آنذاك، سبب مقاومة الحكيمُ العجوزَ لهذه الإبادةِ هو يقينهُ بأن دورةِ الحياةً في السهوبِ سيُصيبها الدمارَ أو قد تتوقف بسبب خلل التوازن البيئي حيث تصطادَ الذئابُ بعض الحيوانات التي تفتُك بالحشائشِ والمراعي التي تُشكّلَ الغذاء الرئيس لقطعانِ الماشيةَ والخيولِ.

يرتفعُ سقفَ خيال القارئ وهو يقرأ وصفُ المعارك التي تدور بين الذئابِ الرماديّةَ وبين الحُرّاسِ الأشدّاء لقطعانِ الخيول المُدرّبة على الكرِ والفرِّ في أشدّ الأجواءَ قسوةً وصعوبةً وكيف يُورِدُ المؤلِّفُ بكلِ إدهاشٍ إدارة الذئاب لتلك المعارك وكأنها أفراد جيشٌ بشريٌّ ينفّذون خِططاً حربيةً مُتقنة تنتهي بالانتصارِ، أحسبُ أن أيّ قارئ لتلك الرواية لن ينتهي منها من دون أن يُعجبَ اشدّ الإعجاب بالذئابِ مثل إعجاب كاتب هذه السطور بها.

والشيء بالشيء يُذكر أتذكّر الأمثال المحليّة التي تُمجّد الذئبُ ودهاءَه مثل "الذيب ما يهرول عبث" و"جاك الذيب جاك وليده" و"إن لم تكُ ذئباً أكلتك الذئاب"، وحتى حين يُوصيَ الأبُ إبنه بأن يكون شُجاعاً يقول له "خلّك ذيب".. الخ .

من الأوصافِ أيضاً التي نُطلِقُها على الذئبِ بأنهُ "أمْعط" ولفظُ (ذيب أمعط) عاميٌّ أصلَهُ فصيحٌ معناهُ المُباشر الذئب قليلُ الشعرَ، لكن الخُبث والمخاتلةِ والمباغتة والذكاء والقوة والإقدام والشجاعة والبطش هي صفات عَرَفَها الناسُ مُنذ القِدَمَ عن الذئبِ، ولهذا فالمثلِ يُضربُ للدلالةِ على واحدةٍ من تلك الصفات أو أكثر بحسبِ سياقَ الكلام

أيّاً كانت الصفاتُ إلاّ أن الإنسان يُفترض فيهِ إحترام الذئبَ فيما لو اعتبره خصمَهُ المٌباشر في مفازاتِ الصحراءِ وعدمَ الغدرُ بهِ فالشجاعةِ تكونُ في المواجهةِ مع تكافؤِ الفُرص وتوازن القوى.

 



Sunday, November 13, 2022

انتقام الضفادع

 


                                 انتقام الضفادع 


حانت ساعة المساج وهي من أثقل اللحظات على (أبي جمشه)؛ لأنه يكره تلقي الأوامر، فهو الوحيد الآمر الناهي في هذا القصر، لكن الفلبينية الصارمة (لقايا) مُستثناه من هذه القاعدة فهي التي تسمح متى يدخل ومتى يستلقي وكيف يطوي ذراعيه تحت ذقنه بدرجة قياس دقيقة لا تخطئها عين اللبوة العجوز.

حين أقفلت العجوز الباب بعد دخوله أشارت بإصبعها نحو السرير الطبي الذي يمقت الاستلقاء عليه؛ لأن مساحة السطح الجلدي أصغر من أن تتيح له حُرية الحركة كما يرغب لا كما تطلب الفلبينية. 

برطم وتمتم لاعنًا بينه وبين نفسه الفكرة التي اقترحها طبيبه الخاص بضرورة قيامه بتنشيط دورته الدموية، وتحريك راكد عضلاته المرتخية بفعل الساعات الطوال التي يقضيها على كرسي مكتبه في الشركة العملاقة، التي يمتلك كامل أسهمها ويتحكّم في كل صغيرة وكبيرة فيها. استلقى على كرشه المنتفخة ووضع رأسه الأصلع الضخم المغروس بين كتفين لحيمين على ظاهر يدين كثيفتي الشعر، وأغمض عينيه فبدأت أصابع الخبيرة بمواطن أعصاب أعضاء (أبي جمشه) تفتل وتفكك العقد وهو يئن متألمًا بينما الفلبينية تهز رأسها استياءً من تذمره وضيقه.

أمرته بأن يأخذ حمّامًا ساخنًا قبل خروجه من الجيم فأطاع صاغرًا. بعد كل هذا العذاب كما يسميه استقبله كبير الخدم مقدمًا له عصير الكيوي ممزوجًا بالليمون، الذي تناوله في صالون الغُرباء حيث يستقبل فيه من هم على جدول السكرتير التنفيذي من غير الرسميين أو كبار المديرين في الشركة، يعني من لهم مطالب شخصية أو استجداء مساعدات مالية أو طلب توظيف.


فقرة من قصة (انتقام الضفادع) من المجموعة التي تضم 14 قصة

الكتاب تحت الطبع وقت نشر هذا (البرومو) في شهر 11/2022

اتصل بنا

Name

Email *

Message *