Friday, August 25, 2023

دموع الحزين الخادعة

 

 

                     دموع الحزين الخادعة 

صحيح أنه عجوز وأن حُزنه مُقيم الاّ انه بالرغم من ذلك لا تنقصه الحيلة ولا المكر وكما قيل أن الحاجة أم الاختراع إلا أنها في حكايته هنا قد تكون أم الدواهي. قرأتُ الحكاية في الف ليلة وليلة بنسختها (الهنديّة) عن الطائر العجوز (مالك الحزين) الذي كان يعيش الى جوار بحيرة طوال عمره وحين وصل الى خريف عمره لم يعد يستطيع اصطياد الأسماك كما كان يفعل في السابق.

بدأت الحكاية أو الحيلة التي حبكها باقتدار حين توقّف في مكانٍ قرب ضفاف البحيرة ورفع منقاره تجاه السماء وأخذ ينوح فاقتربت الاسماك الفضولية وسألته لماذا تبكي؟

أجاب المكّار: يا للمصيبة الفادحة التي تُدبّر لكنّ. لقد رأيتُ هذا الصباح على مقربة من البحيرة صيادين قالوا بأنهم سوف يأتون بشبِاك هائل ويصطادون كُلّ الأسماك لهذا أنوح على المصير المُرعب الذي ينتظركن.

خافت الأسماك الى أقصى حدّ وتساءلن ما العمل فقالتْ إحداهن: ينبغي على مالك الحزين أن يُساعدنا فهو الخبير بشؤون الصيادين. اقتربت أكبرهن وقالت له: إن مصيبتنا سوف تكون ايضاً مُصيبة لك فإذا أمسك الصيادون بنا فلن يبق لك شيئاً من الأسماك كي تأكلها لذلك نقترح عليك أن تأخذنا واحدةً تلو الأخرى في منقارك وتحملنا في السماء نحو مُستنقع آخر لا يُهددنا فيه خطر كهذا. وهناك نستطيع العيش بسلام وأنت تحصل على ما تصطاده.

 تلك (صفقة) جيّدة لنا ولك. بالطبع وافق مالك الحزين على مضض (تمثيلاً) وأمسك من فوره بالأسماك الواحدة بعد الأخرى وطار الى أبعد قليلاً من البحيرة وهناك أكلهن مرتاحاً.

 (أبو مقص) سرطان عجوز أيضا تثق فيه الأسماك وصديق لها في نفس الوقت لاحظ حيلة مالك الحزين الغادره وقال لنفسه إن عليه وقف المجزرة فوراً.

اقترب من الماء وتوسّل الى مالك الحزين المُحتال مصطنعاً خوفاً مرعباً قائلاً: يا صديقي العزيز أنا أيضاً ينبغي أن تُنقذني فلمن تتركوني هنا وحيداً؟

فكرّ مالك الحزين سيّما وقد تقزز من كلّ تلك الاسماك التي إلتهمها ويودّ فعلاً التغيير ويتذوّق لحم مختلف فأمسك بالسرطان في منقاره وحاول الطيران، لكن السرطان شدّ قارصتيه حول عُنق مالك الحزين وأقتلع رأسه وهكذا انتقم للإسماك من جزّارها.

بالفعل يوجد في الحياة أكثر من مالك الحزين، وأكثر من محتال وبالمقابل هنالك سُذّج يقدمون أنفسهم طوعاً ضحايا للجلاّد ليكونوا (لحمة كتف) جاهزة للالتهام.

 الغريب في الأمر أن الضحايا تتوالى فلا الناس اعتبرت ولا الجلاّد توقف ولم نرَ وقتها من يقدّم نفسه بصفة (المُنقذ) كصاحبنا السرطان الذي لم يستطع تحمّل مشهد المجزرة وسذاجة الضحايا فتطوّع لمواجهة المُحتال ليقتصّ منه. 


No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *