Friday, April 28, 2023

الرياض التي في خاطري(6)

 


                         الرياض التي في خاطري(6) 

جلس العقاري أبا سليمان في صدر المجلس وتقاسيم وجهه تشي بالغضب بينما صاحباي مستندان على المركى الآخر وقد تقاربا برأسيهما إيذانا ببدء وشوشات الحش والتعليقات المشفّرة. 

ران صمت ثقيل لبضع ثوانٍ لا يُسمع فيها غير تقلّب صفحات جريدة الرياض بفعل حفيف تيار هواء مروحة السقف.

سلّك العقاري حنجرته إيذانا بافتتاح حفلة الكلام قائلاً:

-      أذكر أنك يا ملازم عبدالله حضرت لوحدك لدكّاني اثناء بحثك عن منزل للأجار ولم تخبرني بأن معك من يقاسمك السكن مشيرا برأسه الى الثنائي الذي تخشّب!

-      صحيح طال عمرك، لكن هذولا زملائي وضباط مثلي، ولا أذكر أن في عقد الايجار ما يوحي بالممانعة في مقاسمتي أحد هذه العزبة. قلت هذا الكلام بوقار شديد متصنعاً الجدّية وأنا أخطف نظرة تجاه الثنائي وهما يتلاكزان بالمرافق بفرح ساذج احتفاء بتورطي مع الرجل.

-      نعم لا يوجد في العقد بند يمنعك من استضافة أحد لكني وقتها كنت أظنّك متأهل يعني (متزوج) والعرف عندنا وأنت تعرف هذا جيدا يمنع سكن مجموعة عزّاب بين بيوت عوائل.

رد العقاري وهو يرسم دائرة في الهواء بأصبعه تجاه الثنائي الصامت كبعيرين يحتميان ببعضهما في ظهيرة مطيرة وتعلو على محياهما تقاسيم بلهاء وكأنهما يٌؤكدان عدم علاقتهما بالموضوع.

ترددت قليلاً أفكّر في رد مُقنع يخفف توتر أبا سليمان ثم لمعت الفكرة بفعل الحس الأمني فقلت من فوري:

-      فيما لو تعرّضت العوائل لما يُعكّر صفو أمنهم لمن سيلجؤون جينها يا طويل العمر؟ أليس للشرطة كي تحميهم؟

-      صحيح قال..

ق قلت: ها نحن 

 ا الشرطة الذين سيتلقون شكاوى أولئك العوائل وغير العوائل. كنت أظنكم ستفرحون بأن رجال الأمن يقطنون بينكم.

أردفت قائلاً:

- فرصة لأهل الحي، فهم لن يتكبدوا عناء الذهاب الى قسم البطحاء كي يبلّغوا عن الحرامية أو المشبوهين. نحن هنا بينهم وعندنا استعداد تام لتلقي بلاغاتهم في كل الأوقات. الا يكفي هذا كي يطمئنوا؟

أطرق أبا سليمان برأسه قبل أن يمسك بزمام الحديث مرة أخرى وكأنه يحاول إعادة الكرة الى مرماي قائلا:

-      أنا معك يا أخ عبدالله لكن من يقنع الجيران خاصة وأنهم اشتكوا من ازعاج يصدر من سطح بيتكم كل ليلة؟

-      إزعاج؟ رددت باستغراب مصطنع وكأني أجهل الحكاية!

-      نعم، يقولون بأنهم يسمعون ضحكات هستيرية انصاف الليالي وعند الفجر تزعجهم أجراس عالية وكأنهم جيران مدرسة تقرع أجراسها بداية ونهاية كل حصة.

لمحت الثنائي بطرف عيني اليمنى حيث يتّكئان وقد احتقنت وجنتاهما بفعل كتمان ضحكة بلعاها ويكادان ينفجران كبالونان مُلئا بالماء. أشرت باصبعي الى (ي) قائلاً:

-      هذا يا طويل العمر ضابط من حرس الملك فيصل ويضطر الى الاستيقاظ فجرا كل يوم للـتدريب وذاك صوت جرس الساعة (الخراشة) قد وضعها داخل سطل معدني حرصاً منه على الاستيقاظ.

حينما سمع أبا سليمان اسم الملك فيصل اعتدل في جلسته وأظهر الاحترام المبالغ فيه للزميل الذي انتفخ تباهيا كي يُؤكد أهميته.

رفيقنا الثالث لم يدع صاحبه يأكل (الجو) عنه فلا بد من اثبات الوجود فقال:

-      معك الملازم (ع) أعمل في إدارة مكافحة المخدرات وأسعى بكل جهدي لحماية ابناءكم من هذه السموم وأبشرك ترى الأمور تحت السيطرة والوضع تمام.

قررت سريعا ألاّ أترك الفرصة للعقاري كي يستجمع أفكاره ويعزز موقفه من شكوى الجيران فقلت:

-      ما ضيفناك أبا سليمان. أقوم أسوي لك قهوة والا شاي؟

-      لا لا تكلّف على نفسك لو سمحت. أكرمكم الله، عندي شغل في الدكان أستأذنكم. هبّ واقفا فوقفت بدوري بينما الثنائي لم يتحركا من متكأهما.

رافقت الرجل مشيعاً وبعد سماع صوت ارتطام دفتي باب الحديد صدرت قهقهة عالية صدرتْ من المجلس بينما العرق يسيل على وجهي من الحرج.

(يتبع)


No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *