Friday, February 3, 2023

الرياض التي في خاطري (3)

 


                          



                       الرياض التي في خاطري (3)


لم يك في بيتنا الشعبي إياه مبرِّدات للهواء (مكيفات) بل مراوح معلّقة في السقف. إحداها في المجلس الرئيس الذي نستقبل فيه الضيوف وهو مكان تجمعنا الدائم لمشاهدة التلفزيون بقناته الوحيدة التي تبثّ بالأبيض والأسود اذ لم تكن ألوان بال، سيكام وأخواتها قد اُستخدمت بعد. في ذات المجلس كنّا نقتعد الأرض الخشنة ببساطها حائل اللون لتناول طعام الإفطار أما الغداء فكنا نتحلّق حول صحن واحد. وجبة العشاء ليست بذات الأهميّة فكل منّا يُدبّر حاله وغالبا خارج المنزل.
المروحتان الأخريان إحداهما في غرفتي والأخرى في غرفتهما. كُنت قد إتّخذتُ غرفة ضيقة بالكاد تتسع لسرير حديدي مفرد وخزانة ملابس بلاستيكية لها سحاب في وسطها وتلك لها حكاية اذ كنت الوحيد بينهم الذي يُرتّب ملابسه في خزانة أما الآخران فاختارا غرفة بلا نوافذ أقرب ما تكون سردابا مظلما لولا نور مصباح خافت بفعل تراكم الغبار ومخلفات الذباب التي تعلو زجاجته فأصبح مثل ظهر كفّ شاحب عليه نقوش حنّاء مُنمنمة.
ولعدم وجود مكيفات كنّا ننام في سطح المنزل طوال ليالي شهور صيف الرياض الطويلة. رفيقاي مرحان جدا عكسي تماما لهذا يحلو لهما صناعة المقالب وقد حدثت لهما مآزق وورطات لا تُنسى بسبب مقالبهما على بعض أو على الزوار والضيوف من الأصدقاء الخُلّص.
في ليالي الصيف تلك وقبل أن نخلد جميعاً للنوم يقومان بإلقاء فراشيهما بالقرب من الجدار الفاصل بيننا وبين سطح الجيران الذين ينامون أيضا في السطوح، أما أنا فمكان فراشي بالقرب من الدَرَجْ (السلّم) كنت أحاول قدر إمكاني الابتعاد عن مكانهما لأنهما يثرثران قبل النوم إما همساً كتراسلٍ برقيّ أو بصوت مرتفع ثم ينفجران بالضحك ويقهقهان لدرجة أن أشتكي الجيران في يوم من إزعاجهما وسألوا عن مصدر الجرس المزعج الذي يستمر في رنينهِ المتكرر عدة دقائق فجر كل يوم؟
أحد رفاقي كان ضابط تدريب للعسكر في الطابور الصباحي الذي يبدأ قبل بزوغ الشمس لهذا يتحتم عليه أن يستيقظ مبكرا ليتمكن من الحضور في الوقت المحدد وقبل أن يأذن الآمر بــــ(عادةً تن تن تن تن سِر) ، ولأن حضرة جنابه يسامر رفيقه في الثرثرة يصعب عليه الاستيقاظ بسهولة فأقتنى ساعة مُنبهة (خرّاشة) ذات جرس مزعج جدا. حين فشل صوت جرس الساعة الخرّاشة في ايقاظه بعض الفجريات ابتكر طريقة تجعل الصوت أكثر ازعاجاً. أصبح صاحبنا يضع الخرّاشة في سطلٍ معدنيّ ليرتفع صوت المُنبّه وكأنه صافرة انذار للدفاع المدني بقرب وقوع الخطر.
وقعنا في مشكلة تقدّم الجيران بشكوى لعمدة الحيّ على مالك المنزل الذي سمح لمجموعة عزّاب السكن وسط عوائل محافظة.
(للحكاية بقية)


No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *