Sunday, November 20, 2022

الذئاب تتقن فن إدارة المعارك

 





                   الذئاب  تتقن فن إدارة المعارك


لم أكُ أُعطي الذئبَ كحيوانٍ متوحش حسب أدبياتنا وثقافتنا المحليّة وسلوكَهُ اهتماماً حتى قرأتُ روايةً بعنوان "رمز الذئب" للكاتب الصيني رونغ يانغ.

 روايةٌ ملحميةٌ مُدهشة لم يكتبها المؤلف من فراغٍ إذ إستغلَّ عملهُ أثناء شبابهِ في سهوبِ منغوليا وعاشَ هُناك مع السكّان المحليين إحدى عشر عاماً11 عاما فأنتجَ تلك الرواية العظيمة، أبدى يانغ إنبهاراً بالأساطيرِ التي تتحدث عن ذئابِ سهوبَ منغوليا لدرجةِ أن قام سرّاً بتربيةِ ذئبٌ صغير ليتعرفَ عن قربٍ على سلوكهِ وليفهمَ سرّ تبجيل سكان سهوب منغوليا للذئابِ.

رافقَ المؤلفُ خلال عمله هناك عجوزاً حكيماً من السكّانِ الأصليين يعشقُ الذئابَ ويُجلّها وكان يشرحَ كل ما غمِضَ لهُ عن سلوكِها، كان العجوزُ ضد الحملة التي قامت بها الحكومةُ الصينيةُ لإبادةِ الذئابَ التي كانت تفترسَ الجياد الأصيلة عصبُ الحروب وآلتها آنذاك، سبب مقاومة الحكيمُ العجوزَ لهذه الإبادةِ هو يقينهُ بأن دورةِ الحياةً في السهوبِ سيُصيبها الدمارَ أو قد تتوقف بسبب خلل التوازن البيئي حيث تصطادَ الذئابُ بعض الحيوانات التي تفتُك بالحشائشِ والمراعي التي تُشكّلَ الغذاء الرئيس لقطعانِ الماشيةَ والخيولِ.

يرتفعُ سقفَ خيال القارئ وهو يقرأ وصفُ المعارك التي تدور بين الذئابِ الرماديّةَ وبين الحُرّاسِ الأشدّاء لقطعانِ الخيول المُدرّبة على الكرِ والفرِّ في أشدّ الأجواءَ قسوةً وصعوبةً وكيف يُورِدُ المؤلِّفُ بكلِ إدهاشٍ إدارة الذئاب لتلك المعارك وكأنها أفراد جيشٌ بشريٌّ ينفّذون خِططاً حربيةً مُتقنة تنتهي بالانتصارِ، أحسبُ أن أيّ قارئ لتلك الرواية لن ينتهي منها من دون أن يُعجبَ اشدّ الإعجاب بالذئابِ مثل إعجاب كاتب هذه السطور بها.

والشيء بالشيء يُذكر أتذكّر الأمثال المحليّة التي تُمجّد الذئبُ ودهاءَه مثل "الذيب ما يهرول عبث" و"جاك الذيب جاك وليده" و"إن لم تكُ ذئباً أكلتك الذئاب"، وحتى حين يُوصيَ الأبُ إبنه بأن يكون شُجاعاً يقول له "خلّك ذيب".. الخ .

من الأوصافِ أيضاً التي نُطلِقُها على الذئبِ بأنهُ "أمْعط" ولفظُ (ذيب أمعط) عاميٌّ أصلَهُ فصيحٌ معناهُ المُباشر الذئب قليلُ الشعرَ، لكن الخُبث والمخاتلةِ والمباغتة والذكاء والقوة والإقدام والشجاعة والبطش هي صفات عَرَفَها الناسُ مُنذ القِدَمَ عن الذئبِ، ولهذا فالمثلِ يُضربُ للدلالةِ على واحدةٍ من تلك الصفات أو أكثر بحسبِ سياقَ الكلام

أيّاً كانت الصفاتُ إلاّ أن الإنسان يُفترض فيهِ إحترام الذئبَ فيما لو اعتبره خصمَهُ المٌباشر في مفازاتِ الصحراءِ وعدمَ الغدرُ بهِ فالشجاعةِ تكونُ في المواجهةِ مع تكافؤِ الفُرص وتوازن القوى.

 



No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *